سورة ق - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ق)


        


{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)}
{أَلْقِيَا} خطاب من الله تعالى للملكين السابقين: السائق والشهيد: ويجوز أن يكون خطاباً للواحد على وجهين: أحدهما قول المبرد: أن تثنية الفاعل نزلت منزلة تثنية الفعل لاتحادهما، كأنه قيل: ألق ألق: للتأكيد.
والثاني: أنّ العرب أكثر ما يرافق الرجل منهم اثنان، فكثر على ألسنتهم أن يقولوا: خليليّ وصاحبيّ، وقفا وأسعدا، حتى خاطبوا الواحد خطاب الاثنين عن الحجاج أنه كان يقول: يا حرسيّ، اضربا عنقه.
وقرأ الحسن {ألقين} بالنون الخفيفة. ويجوز أن تكون الألف في {أَلْقِيَا} بدلاً من النون: إجراء للوصل مجرى الوقف {عَنِيدٍ} معاند مجانب للحق معاد لأهله {مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ} كثير المنع للمال على حقوقه، جعل ذلك عادة له لا يبذل منه شيئاً قط. أو مناع لجنس الخير أن يصل إلى أهله يحول بينه وبينهم. قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يمنع بني أخيه من الإسلام، وكان يقول: من دخل منكم فيه لم أنفعه بخير ما عشت {مُعْتَدٍ} ظالم متخط للحق {مُرِيبٍ} شاك في الله وفي دينه {الذى جَعَلَ} مبتدأ مضمن معنى الشرط، ولذلك أجيب بالفاء. ويجوز أن يكون {الذى جَعَلَ} منصوباً بدلاً من {كُلَّ كَفَّارٍ} ويكون {فألقياه} تكريراً للتوكيد.


{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)}
فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الأولى؟ قلت: لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون.
فإن قلت: فأين التقاول هاهنا؟ قلت: لما قال قرينه: {هذا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ} وتبعه قوله: {قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} وتلاه: {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ} [ق: 28]: علم أنّ ثم مقاولة من الكافر، لكنها طرحت لما يدل عليها، كأنه قال: رب هو أطغاني، فقال قرينه: ربنا ما أطغيته. وأمّا الجملة الأولى فواجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين: وقول قرينه ما قال له: {مَا أَطْغَيْتُهُ} ما جعلته طاغياً، وما أوقعته في الطغيان، ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى} [إبراهيم: 22].


{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)}
{قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ} استئناف مثل قوله: {قَالَ قرِينُهُ} [ق: 27] كأن قائلاً قال: فماذا قال الله؟ فقيل: قال لا تختصموا. والمعنى: لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب، فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته، وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي، فما تركت لكم حجة عليَّ، ثم قال: لا تطمعوا أن أبدل قولي ووعيدي فأعفيكم عما أوعدتكم به {وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ} فأعذب من ليس بمستوجب للعذاب. والباء في {بالوعيد} مزيدة مثلها في {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} أو معدية، على أن (قدّم) مطاوع بمعنى (تقدّم) ويجوز أن يقع الفعل على جملة قوله: {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ وَمَآ أَنَاْ بظلام لِّلْعَبِيدِ} ولأن {بالوعيد} حالاً، أي: قدّمت إليكم هذا ملتبساً بالوعيد مقترناً به. أو قدّمته إليكم موعداً لكم به.
فإن قلت: إنّ قوله: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم} واقع موقع الحال من {لاَ تَخْتَصِمُواْ} والتقديم بالوعيد في الدنيا والخصومة في الآخرة واجتماعها في زمان واحد واجب.
قلت: معناه ولا تختصموا وقد صح عندكم أني قدمت إليكم بالوعيد، وصحة ذلك عندهم في الآخرة، فإن قلت: كيف قال: {بظلام} على لفظ المبالغة؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون من قولك: هو ظالم لعبده، وظلام لعبيده.
والثاني: أن يراد لو عذبت من لا يستحق العذاب لكنت ظلاماً مفرط الظلم. فنفى ذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8